أول تحقيق صحفي يرصد خسائر القاهرة بعد عام من أزمة «ماتش كورة»:
لماذا؟
سؤال نطرحه دائما في الصحف والجلسات الخاصة والعامة حول رد الفعل الجزائري العنيف تجاه أزمة الكرة العبثية ولا نعرف الاجابة عنه، حملت هذا السؤال في رأسي وأنا في الطريق إلي الجزائر، قال لي صديق جزائري ضاحكا: تسألون هذا السؤال مثل الأمريكان بعد أحداث 11 سبتمبر... الرحلة إلي الجزائر تستغرق أربعة ساعات ونصف الساعة بالطائرة، وإلي مدينة وهران التي شهدت المهرجان الدولي للفيلم العربي ساعة أخري، بيننا وبين هذه البلاد آلاف الكيلومترات، لكن ما ان تطأ قدمك علي أرض الجزائر ستكتشف أنك لم تبتعد كثيرا...
كسب ساويرس.. وخسرت مصر والجزائر
- أكثر المصدومين من الشتائم المصرية كان التيار العروبي الذي كان يحلم بدور مصر العربي والقومي - أغلب الجزائريين مازالوا يهيمون عشقا في مصر والصحف الموجهة بعيدة تماماً عن الشارع
تلقيت العديد من التحذيرات من أصدقاء مصريين وعرب حتي لا أسافر إلي الجزائر، فالجميع رسم صورة ذهنية مما تنشره صحف الاثارة تعطيك شعورا بأنك غير مرحب بك في هذه البلاد، وقد تتعرض إلي ما لا يحمد عقباه، منذ الوهلة الأولي في مطار "هواري بومدين" ستكتشف أنه لا يوجد ما يدعو للقلق، قال نور الدين سائق الحافلة: "الكبار بيعملوها والشعوب بتدفع الثمن"، وأضاف "في البداية أصبنا بحالة من العصبية وكدنا نمسح كل ما هو مصري من ذاكرتنا، وبعد شهور قليلة بدأنا نفكر واكتشفنا أننا قطع في لعبة مصالح يديرها أشخاص غير مسئولين"، نفس الكلام أكده عبد القادر رجل الأمن الذي رافقني بشوارع وهران، شاكيا من راتبه الذي لا يتجاوز 250 دولاراً في الشهر، منتظرا علاوة جديدة في شهر يناير القادم، مثل أي موظف حكومي مصري لا يجد قوت يومه "الأسعار هنا في الجزائر باهضة والقوة الشرائية للدولار تساوي الجنيه "، أكثر كلمة سمعتها من الجزائريين "خويا"، هناك بعض الاستثناءات لكنها قليلة لشخوص انساقوا وراء القطيع، وأثق في أنهم قريبا سيعيدون حساباتهم فلقمة العيش والهم المشترك أهم بكثير من حالة وطنية زائفة، في محل لبيع أشرطة الكاسيت والأفلام لم أجد أي شريط مصري باستثناء المجموعة الكاملة لعبدالحليم حافظ وأم كلثوم.
أعود إلي السؤال الأول: لماذا؟
لأن مصر تنازلت برغبتها ودون إرغام من أحد عن دورها الثقافي والسياسي والاجتماعي في العالم العربي، هنا في الجزائر ثاروا علي مستويين: المستوي الأول (النظام) فوجئ بوابل من الشتائم في الجرائد والإعلام الرسمي في مصر، رغم أن الاعلام الجزائري لم يتعرض للأزمة من قريب أو من بعيد، فقط الصحف المستقلة هي التي تولت الأمر، السبب الثاني أن النظام هنا رأي أنه ليست هناك ندية في مواجهة تم تسخير فيها عشرات القنوات الفضائية والصحف أمام ثلاث أو أربع صحف جزائرية، لذا إلي الآن هناك موقف ضد مصر غير مباشر من الحكومة الجزائرية، تمثل في إعطاء ضوء أخضر بمنع مصر من المشاركة في معرض الكتاب الدولي الذي أقيم نهاية شهر أكتوبر الماضي، ومشاركة محدودة في مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، ومنع مصر من تظاهرات ثقافية وسياسية أخري، ورفض الجزائر المشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان الاعلام العربي، المستوي الثاني (الشعبي) ثار الجزائريون لأن الاعلام المصري اقترب عن جهل من محرمات، مثل وصف النساء الجزائريات بالعاهرات والسخرية من شهداء الثورة، بالاضافة إلي السخرية من البربر (الأمازيغ) واعتبارهم شعباً همجياً.
من قال هذا الكلام جاهل ولا يعرف شيئا عن هذه البلاد العظيمة، فالأمازيغ الذين يتحدثون عنهم يمتلكون حضارة تجاوزت الألفي عام، وأسسوا دولة قوية امتدت من ليبيا وحتي الجزائر، وهم أنفسهم من فتحوا وأسسوا الحضارة الأندلسية علي يد القائد الأمازيغي طارق بن زياد، من قاموا بالسخرية من الشهداء لم يزوروا في حياتهم حي القصبة الشهير بالجزائر العاصمة، وهو عبارة عن أزقة ضيقة وبنايات علي الطراز العربي الفاطمي، وسكنت بداخله جميلة بوحيرد، واستشهد فيه مائة ألف جزائري من بينهم مصريون أرسلوا من قبل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لتدريب فرق المقاومة، أولئك لم يشاهدون فيلم "الخارجون عن القانون" للمخرج رشيد بوشارب، والذي عرض في افتتاح مهرجان وهران، ومن قبل شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان، وتناول مجزرة "سطيف" وهي واحدة من أكبر المجازر في التاريخ علي يد الفرنسيين، وتأثير هذه المجزرة علي المجتمع الجزائري حتي الان.
من وصفوا النساء الجزائريات بأبشع الألفاظ لا يعرفون أن المرأة الجزائرية مثال يحتذي به في الثقافة والأصالة والتحضر، فهي مزيج مدهش بين عادات وتقاليد الشرق وانفتاح الغرب، لا يعرفون أنها كانت عماد ثورة استشهد فيها مليون ونصف المليون شهيد.
ما قلته سابقا كان مجموع ما سمعته من آراء وما شاهدته بنفسي عن تجربة امتدت لخمس زيارات قبل هذه الرحلة.
الجزائر ليست بلدا تقليديا، بل تتصارع عليها قوة إقليمية ودولية لعدة أسباب، الأول أنها تحتل المرتبة الـ 11 عالميا من حيث المساحة وتبلغ 2 مليون كيلومتر مربع، ولديها ثروة من البترول والغاز الطبيعي تجعلها من أكبر عشر دول في العالم في تصدير النفط، السبب الثاني أنها سوق واعد يثير لعاب المستثمرين في العالم كله لأنها في مرحلة بناء بعد سنوات الإرهاب السوداء بالتسعينيات، والثالث أنها مشترٍ جيد للسلاح لوجود صراع بينها وبين المغرب علي قضية الصحراء، وهذا ما دفع الجزائر للتحول إلي ساحة صراع وحرب دولية للتقرب منها سواء من الأمريكان أو الروس أو الفرنسيين أو الاسبان، ورغم هذا الصراع كان لمصر مكانة خاصة في الثقافة والذاكرة الجزائرية، هذه المكانة قربت رجل الأعمال نجيب ساويرس من سعيد شقيق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وجعلته يحصل علي الرخصة الثانية للتليفون المحمول (جازي)، مقابل 737 مليون دولار فقط، لم يدفع منها للحكومة الجزائرية سوي النصف (علي حسب نشرة البنك المركزي الجزائري)، رغم أن إحدي الشركات الفرنسية اشترت 50 بالمائة من شركة التليفون المحمول بالمغرب مقابل مليار و200 دولار، وامتدت استثمارات ساويرس إلي قطاعات الاسمنت والبتروكيماويات، وأعطي ساويرس اللطمة الأولي للحكومة الجزائرية حينما باع شرائح "جازي" للجمهور قبل أن يكتمل بناء الشبكة، وبالسيولة التي توفرت له استورد الاسمنت من مصر وحصل علي قروض من البنوك الجزائرية لتوسيع مشاريعه، أما اللطمة الثانية حينما باع شركة أوراسكوم بالجزائر إلي الشركة الفرنسية "لافارج" دون الرجوع إلي الحكومة وسؤالها إن كانت لها الرغبة في الشراء أم لا؟، وهو يعلم تماما الحساسية الكبيرة بين الجزائر وفرنسا، لقد أعطوا له المجال ليفعل ما يريد لأنه مصري، ولكنه لم يحسن الادارة وسلمهم للفرنسيين، وهذا ما تسبب في غضب الحكومة عليه وطالبوه بضرائب متأخرة قدرها 350 مليون دولار، ورغم ذلك رفض ساويرس دفع ما عليه، كل هذا حدث قبل أزمة الكرة العبثية، فلماذا ربط ساويرس المشكلة بأزمة الكرة رغم أنه يعرف ماذا فعل بالجزائريين؟ الان ترفض الحكومة دخول أي معدات الي شركة "جازي" من الخارج لتطوير الشبكة، وتسبب هذا في ضعف التغطية بـ"جازي" ولا تعمل حتي السادسة مساء لضعف الشبكات، وانصرف عنها الكثيرون ولم تعد أقوي شبكة تليفون محمول في الجزائر، حجم الاستثمارات المصرية المسجلة رسميا في بنك الجزائر تبلغ ملياراً و116 مليون دولار، لتأتي في المرتبة الثالثة بعد فرنسا (1.57 مليار دولار) واسبانيا (1.25 مليار دولار)، إلا أن مصر تأتي فعليا في المرتبة الأولي كمستثمر أجنبي في الجزائر بمبلغ يتجاوز خمسة مليارات دولار (علي حسب تصريح عبد القادر حجار السفير الجزائري بمصر للجزيرة قبل الأزمة)، وتبلغ العمالة المصرية بالجزائر 15 ألف عامل، تليها الولايات المتحدة الأمريكية باستثمارات تقدر بخمسة مليارات دولار.الأمريكان يحتكرون 65 % من قطاع البترول، وتضع الشركات الأمريكية ثقتها في العمالة المصرية، حيث إن معظم مديري الشركات مصريون.
البترول هو السبب وراء السخاء الأمريكي في بيع الأسلحة للجزائريين، بلغت قيمة آخر صفقة 2 مليار دولار، بها طائرات تجسس بدون طيار (بردانور) و(ريبير) لشركة جنرال الأمريكية، وصواريخ جو أرض موجهة بالفيديو وطائرات هيليكوبتر هجومية (أباتشي) وصواريخ (تاو)، بالاضافة إلي نظم كشف العبوات الناسفة والألغام، حيث أكدت الدراسات أن 80 بالمائة من ضحايا العمليات الارهابية بالجيش والشرطة ماتوا في تفجير عبوات ناسفة بطريقة التحكم عن بعد، واشترط بوتفليقة علي الامريكان إلغاء نظم التحكم في الاسلحة الأمريكية المباعة عن بعد، ومن المعروف أن معظم الاسلحة الأمريكية التي تباع للخارج يتم التحكم بها من أمريكا للحفاظ علي التوازنات.....!
ووافقت أمريكا علي شروط "بوتفليقة " خاصة بعدما هدد بإدخال الروس اللعبة.
العلاقة بين الحكومة الجزائرية والأمريكان شابها الفساد من خلال وزير الطاقة والمناجم شكيب خليل الذي أقاله بوتفليقة بعدما أبرم 1600 صفقة لشركة سوناطراك وتربح من ورائها، حيث كشفت وثيقة نشرت في موقع "ويكيليكس" بتاريخ 8 فبراير 2010 عن أن رضا ابن شقيقة الوزير كان المدير الفعلي لسوناطراك، والمدير التنفيذي " مزيان "كان يوقع فقط أوامر رضا...رضا عمل في عدة عواصم أوروبية ومتزوج من تركية، ومنذ خريف 2009 فر إلي سويسرا بعدما علم بفتح ملف فساد سوناطراك...الجزائر تحتل المرتبة 16 بين الدول التي تتعامل مع الولايات المتحدة، حيث تصدر بترولها إليها بقيمة 11 مليار دولار.
الروس قرروا دخول المشهد في الجزائر من خلال بوابة نجيب ساويرس، فقد وافقوا علي شراء جازي الجزائر وهذا ما دفع بوتفليقة لمقابلة الرئيس الروسي "مدفيديف" فورا، وعرض الروس صفقة سلاح بـ7.5 مليار دولار تتضمن طائرات تجسس ونظم صواريخ هجومية وصيانة سفن حربية جزائرية جديدة وتجهيزها بمعدات الكترونية ودبابات 90...هذا الصراع اشتد بعدما أعلنت الحكومة الجزائرية أنها ستستقبل استثمارات تقدر بـ286 مليار دولار خلال الأربع سنوات القادمة لبناء مليون وحدة سكنية وتوفير ثلاثة ملايين فرصة عمل ومشروعات في الزراعة والطاقة والتعليم والثقافة وتبرع الروس بالدخول في بيزنس انتاج الحبوب وتركيب الشاحنات والمعدات الزراعية والسكك الحديد.
هذا المشهد قد تخرج منه مصر بسبب جهلة لا يعرفون سوي مصالحهم الشخصية، بعدما كانت هي الأهم، مصر استمدت أهميتها من أغاني عبدالحليم وأم كلثوم والسينما وطه حسين والعقاد ونجيب محفوظ ويوسف ادريس وصلاح جاهين، لقد تكونت الصورة الذهنية لنا في الجزائر علي يد التجربة القومية العربية في الستينيات وعلماء الأزهر الذين ذهبوا في بعثات إلي هناك لتعريب الجزائر، كان هناك قانون في الجزائر يمنع تنصيب أي إمام مسجد إلا بعد اعتماده من الأزهر، وبعد أزمة الكرة لا يتم العمل بهذا القانون، ومنذ توقفت بعثات الأزهر عن القيام بدورها في الجزائر زادت المسافة، عادت مصر للظهور مرة أخري في المشهد الجزائري بعد سنوات الإرهاب الأسود والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الجزائريين في التسعينيات، ولكنها عودة اقتصادية في البيزنس لم توازها عودة ثقافية، وتركنا الملعب للفرنسيين يصولون ويجولون داخل عقول الجزائريين، وبعد أزمة الكرة أصيب القوميون العرب بالجزائر بخيبة أمل حيث لم يستطيعوا مواجهة التيار الفرانكفوني المتصاعد بشدة، فقد أصبح كل شيء هنا ناطقا بالفرنسية وازداد التشبث أكثر بها بعد أزمة مصر، فقد قال لي صديق جزائري إن مصر كانت بالنسبة لهم رمزا كبيرا للعروبة وصدمة الكرة جعلتنا نتنكر لكل ما هو عربي.
يبلغ عدد سكان الجزائر 35 مليون نسمة، مقسمين علي 48 ولاية منهم: 55 ألف مسيحي فقط، بالاضافة إلي أقلية يهودية تواجدت في نسيج المجتمع الجزائري منذ ألفي عام، ويتجاوز الأمازيغ نصف الجزائريين والباقي عرب، ويصل الدخل القومي إلي 120 مليار دولار، نسبة التعليم فترة الاحتلال الفرنسي كانت 7 % وفي عام 2009 بلغت 90 بالمائة، لأن التعليم هنا مجاني وإجباري، وتحولت الجزائر في عام 1993 من الاشتراكية إلي اقتصاد السوق الحر، ومنذ عام 1991 تعاقب أربعة رؤساء جمهورية علي حكم الجزائر في صراع دائم وخفي علي السلطة بين مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الجيش، فقد تم إجبار الشاذلي بن جديد علي الاستقالة من 18 ضابطاً كبيراً يقودهم اللواء خالد نزار، ومن بعده اغتيل محمد بوضياف بعد شهور قليلة من توليه الرئاسة، وكان يعرف علي الكافي قدره جيدا امام المؤسسة العسكرية ولم يستمر كثيرا بعدما غضب عليه الجيش، وانسحب اليمين زروال بالاستقالة من الرئاسة قبل نهاية فترته الرئاسية، وكان عبد العزيز بوتفليقة هو الأكثر ذكاء في التعامل مع المؤسسة العسكرية ودخل صراعا مباشرا أحيانا وخفيا أحيانا أخري مع الجيش، بوتفليقة عين وزيرا للشباب والرياضة والسياحة وهو يبلغ من العمر 25 عاما، وأصبح وزيرا للخارجية، ومن المعروف عنه حينما كان وزيرا للخارجية أنه حل أزمة اختطاف الارهابي الثوري كارلوس لطائرة وزراء خارجية الدول المصدرة للنفط وأقنع كارلوس بتسليم الرهائن مقابل المال (الموقف يدل علي دهاء كبير)، بوتفليقة شارك في انقلاب 19 يونيه 1965 ضد الرئيس السابق أحمد بن بيلا، وانتخب بالاجماع رئيسا للجمعية العامة للأمم المتحدة (الاعلام المصري تعامل بغباء مع هذا الداهية والسياسي المخضرم، ساخرا من اسمه فقط دون أن يعرف قدره)...بوتفليقة بدأ حكمه بتصريحات نارية قال فيها أنه لن يكون ثلاثة أرباع رئيس، وتحدث بعد ذلك علي 17 جنرالا في الجيش يحتكرون التجارة الخارجية واصفا إياهم بالقطط السمينة، وعاد ليقول في تصريح آخر: "أنا مستعد للموت من أجل وقف تدخل المؤسسة العسكرية في عملي"، الصراع الخفي بين بوتفليقة والجيش انتقل إلي الصحف، فمن المعروف أن صحيفة "الوطن" الناطقة بالفرنسية مقربة أكثر من الجنرال السابق محمد العماري، أحد أعداء بوتفليقة وجريدة الشروق لم تنشر صورة بوتفليقة في صدر صفحتها منذ نشأتها حتي قريبا...الصراع علي السلطة بين بوتفليقة والجيش استخدمت فيه الصحف لتهييج الرأي العام في أزمة مصر، وسعت بعضها إلي إحراج بوتفليقة أثناء زيارة الرئيس مبارك إلي الجزائر، وهاجمت الزيارة....هذا المشهد لم يكن لدي من أداروا الأزمة في مصر، فزادوا الطين بلة، ولم يساعدوا بوتفليقة في الحد من إحراجه أمام الرأي العام، بل زادوا من الفتنة بتصريحات كاذبة تنفي الاعتداء المصري علي حافلة اللاعبين الجزائريين وتهويل ما حدث في السودان.
الشخصية الجزائرية تتمتع بالكثير من الجمود والحميمية في نفس الوقت، وهناك فارق ثقافي بيننا وبينهم، فالمسيحي بالنسبة لمصر هو جزء من نسيج الوطن، أما المسيحي في الجزائر فهو رمز للمستعمر الفرنسي الذي هدم مئات المساجد فترة الاحتلال وشيد بدلا منها كنائس، لذا قامت السلطات بحبس مسيحيين في شهر رمضان الماضي لأنهما لم يشاركا المسلمين الصيام...الجمود في الشخصية الجزائرية ناتج عن ذاكرة من الدماء فترة الاحتلال، فهم حتي الآن يكتشفون بالمصادفة العشرات من المقابر الجماعية تستدعي الألم مرة أخري، الجزائر هي الدولة الوحيدة التي أنشأت وزارة للمجاهدين تهتم بأسر مليون ونصف المليون شهيد وتعطيهم رواتب شهرية معتبرة، ويغدقون عليهم بالمكآفأت والمعاونات في المناسبات الرسمية، حتي الآن مازالت أسر بعض الجزائريين الذين تعاملوا مع المحتل الفرنسي تعامل باحتقار شديد، في الماضي قتلت المقاومة كل من تعاون مع الاحتلال الفرنسي، وفي الحاضر يدفع أبناؤهم الثمن ويطلق عليهم "الحركي"، رغم هذا فالفساد ينتشر في المؤسسات الرسمية مثل مصر، بالاضافة إلي الفقر والبطالة التي بلغت نسبة 18 بالمائة، وهذا ما دفع الملايين للهجرة إلي الخارج ويطلق عليهم في المغرب العربي "حراقة"، والغريب أن علاقة الجزائريين بكل ما هو عادات وتقاليد قوية جدا يرتدون الجلابية في الشارع والعروس ترتدي فساتين من كل مدينة جزائرية في الفرح علي حسب قدرتها الاقتصادية، فالعروس التي تنتمي إلي طبقة أرستقراطية تبدل 13 فستان فرح من 13 مدينة ليلة العرس وتسمي "التصديرة"، مثل: اللباس الأمازيغي والشاوي والوهراني والعاصمي، ولديهم تراث موسيقي ثري وراق مثل: الراي، الشعبي، القبائلي والقناوي، بالاضافة إلي الأغاني الصوفية التي ينشدها الجزائريون وهم يرقصون باستمتاع أقرب إلي الجنون، ومازالت هناك بعد مظاهر الاحتفالات الشيعية بـ"عاشوراء" رغم أن 99% من الجزائريين مسلمين سنة، حيث تضع الفتيات الكحل ويقصرن شعورهن وينشدن الأغاني الصوفية، وهناك أسطورة شعبية تقول إن من يكتب أو يعمل بالحياكة يوم عاشوراء تصاب يداه بداء الارتعاش الدائم، إلا أن السلفية الوهابية انتشرت بشدة الآن في الشارع الجزائري وتحديدا في المساجد ويزداد الحجاب يوما بعد يوم.
في النهاية أتذكر ما قاله الأديب الجزائري الكبير رشيد بوجدرة أن "الجزائري مثل شجرة الصبار، تتحمل وتصبر وتعيش في ظروف قاسية ولكن إذا اقتربت منها فإنها تجرحك جرحا عميقا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.